مجالات توطن الأشراف السباعيين:
1ـ سوس الأقصى
تطلق هذه التسمية على المنطقة الممتدة من السفوح الجنوبية للأطلس الكبير الغربي إلى منطقة وادي نون بناحية ﮔلميم الحالية. وقد ذهب أحمد الأمين الشنقيطي إلى أن بلاد شنقيط ـ هي ـ كذلك من أعمال السوس الأقصى عند قوله: ”...من أعمال سوس الأقصى بالمغرب“(1)، لكن الذي يتفق عليه جل المؤرخين هو أن سوس ينحصر ما بين دير الأطلس الكبير ونهاية جبال الأطلس الصغير بالجنوب المغربي، وهذا ما يذهب إليه كذلك صاحب كتاب ”ديوان قبائل سوس“(2) ولهذا فهو يكون وحدة بشرية يغلب عليها الطابع الأمازيغي وانتشار المدارس العلمية العتيقة والإقامة في شكل دواوير وإيـﮕودارن (جمع أﮔادير) وأحلاف قبلية أساسها حلفي تاحوﮔات واﮔزولن(3). وبهذه المنطقة حواضر قديمة كتارودانت وإليغ مثلا.
أما تواجد أولاد أبي السباع بمنطقة سوس فقديم نظرا لوجود مزار الجد الجامع بقلب هذه المنطقة وكذلك أضرحة أبنائه الأوائل: اعمر وعمران ومحمد النومر(4) المدفونين ببلدة لـﮕصابي (تـﮕاوست). ومن دلائل هذا الوجود السباعي، هناك أيضا الظهائر الشريفة التي توجد في حوزة مجموعة أولاد النومر قرب تزنيت حيث يرجع أقدم هذه الظهائر إلى عهد المولى عبد المالك، أي القرن الحادي عشر الهجري. وإذا كان الجد الجامع قد أقام ودفن بعد رحيله فوق قمة جبل، فإن ذريته من بعده نزحوا نحو البسائط كالسهل الممتد ما بين مصب نهر ماسة ورباط آﮔلو حيث تمركز أولاد النومر بالجماعة القروية للمعدر الكبير الموزعين إلى الدواوير التالية(5):
آغروض ـ اعزيب أومرزﮔان ـ البطاحية ـ درب حنِّين ـ درب الطيرة ـ الدوار ـ الـﮔارب ـ القليعة الفوقانية ـ أرويس التحتاني ـ سيدي اعلي ـ توبوزير.
أو بمنطقة إيغير ملولن (عين عنق الإبل بالعربية) جوار المدرسة لأﮔرض (أي العرﮔوب) بالجماعة القروية لأولاد جرار حيث نجد بطن أولاد صولة.
ثم هناك مجموعة ثالثة تجاور أولاد النومر وهي: الخنابيب التي ينحدر منها الولي الصالح عبد الرحمن الخنبوبي (ت 1009هـ) جوار المدرسة العتيقة لتمزليت بالجماعة القروية لآﮔلو. هذه المجموعة السباعية تنحدر من بطن أهل الحاج أحمد(6). هذا بالنسبة للسباعيين المستقرين بإقليم تزنيت وقد أقاموا هناك منذ فترات مختلفة يمارسون التجارة والزراعة بعيدا عن الوظائف المخزنية.
وإذا كان ”ديوان قبائل سوس“ لم يذكرهم فربما يعود ذلك إلى كونهم كانوا محررين من الكلف والوظائف المخزنية(7)، فهو لم يذكر سوى القبائل (سروجا وكوانين) التي كانت تقدم ”الضرائب“ إلى السلطان أحمد السعدي.
أما السباعيون في حوض سوس فأشهرهم ذكرا ”البهارير“ الذين أسسوا مدرسة علمية ذائعة الصيت (خلال القرن 18م) بمنطقة هوارة عرفت ”بالمدرسة البعاريرية“ وذلك بعد النكبة التي حلت بالسباعيين في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي. وكان دور هذه المجموعة ديني تعليمي بالأساس، ثم هناك مجموعة ”أرويس“ و ”بنـﮔمود“ بناحية قبيلة اشتوكة وآيت ملول، وهؤلاء في حوزتهم عقود ملكية الأرض على غرار أولاد النومر في حوز تزنيت، كما يملكون جزءا من الشاطئ البحري الموالي لترابهم ويقيسون ذلك بـ ”الـﮕـامة“ أي أن ملكهم في البحر يبلغ 70 ﮔامة. وتجدر الإشارة إلى أن أساس أولاد أبي السباع بمنطقة سوس هو: أولاد النومر، أما المجموعات الأخرى فتنتمي لمختلف البطون السباعية خاصة منها: أولاد الصغير، العبيدات، التويجرات، أولاد البـﮔار، أولاد بوعنـﮔـة، أولاد إبراهيم، أهل الطالب الطاهر، أهل سيدي خليل، أولاد احميدة، أهل بوصولة، وأهل سيدي عبد الله(.
وإذا كان الوجود السباعي اليوم بمنطقة سوس نسبي أو ضعيف فذلك راجع إلى الهجرات التي تعرفها هذه القبيلة كل مرة، وكذلك لكون هذه المنطقة أصبحت معبرا لهم بعد أن تم استقرار غالبيتهم بمنطقة شيشاوة بالحوز المراكشي. ورغم ذلك بقي لهذه المجموعة إشعاع بسوس راجع في جزء كبير منه إلى العلماء والصلحاء الذين أنجبتهم هذه القبيلة وتوطنوا هناك انطلاقا من أبناء عامر الهامل إلى ساسي جد عبد الله بن ساسي(9)، وسيدي مبارك دفين اﮔسيمة(10)، فعبد الرحمن الخنبوبي دفين تمزليت(11)، وسيدي علي السباعي الـﮕسيمي(12)؛ ثم امتد الاستقرار السباعي إلى أقصى جنوب منطقة سوس حيث تمركزت منهم أعراش بمنطقة السيحل وآيت باعمران(13) إذ نجد في أرض هصباوة(14) الدواوير التالية: أهل بوعمامة والتويجرات، وأهل مولاي اليزيد بتباينوت قرب أنامر، وأهل اعلي واعلي قرب ثلاثاء صبويا، وأهل سيدي المدني الذين يوجد مزار جدهم بأنامر، وأهل أشتيوي، وأهل الحيطحاط. ومن صلحائهم هناك: سيدي محمد الغوث المدفون بتاديينت(15)، وسيدي عبد القدوس بن سيدي امحمد العزوزي بوادي تازروت بفرقة مستي قرب المحيط، وسيدي السمان بأنعالة(16)، وسيدي محمد بلقاضي أو تمرصيت النومري. كما لهم مزارات جماعية كالتي توجد بآملو بآيت الخمس بآيت باعمران، وسيدي هباب برأس أومليل بوادي نون، وسيدي عامر يتسـﮔنان...إلخ.
إن استقرار السباعيين بمنطقة آيت باعمران التاريخية ليس حديثا بالجملة فهناك بعض الأسر قديمة العهد بالمنطقة كإداورحم القاطنين بآيت أيوب (أهل الدرهم اليوم) المنحدرين من عبد الله بن ساسي(17) المتوفى سنة 961هـ/1531م دفين تانسيفت بحو مراكش حيث يرجع استقرارهم بآيت أيوب إلى القرن 11 الهجري/17م، وكذلك المزارات السباعية الموجودة ببلدة تالوست. وهذا ليس غريبا ما دامت الانطلاقة الأولى للسباعيين هي بلاد سوس.
ويلاحظ بهذا الصدد أن الممارسات الاجتماعية التي تعاطوا لها بهذه المنطقة انحصرت إما في التعليم والتعلم أو في الزراعة والكسب وبشكل محدود لا يتعدى الضروري من المعاش، وقد انعكس ذلك على المكانة الاجتماعية التي حظوا بها هناك، فنجدهم إما شيوخ مدارس علمية عريقة أو عدول أو قضاة محليين أو كسابة ومزارعين وبالتالي لم يفرزوا جماعات تابعة لهم وموالي كثر على خلاف ما سنلاحظ عند سباعيي الحوز المراكشي أو إخوانهم بجنوب الصحراء في الفصول الموالية.
إن بلاد سوس ـ رغم قلة السباعيين بها ـ كانت هي القاعدة الخلفية لهؤلاء إذ منها انطلقوا نحو الصحراء ونحو الحوز المراكشي والأطلس الكبير الغربي. كما أن المدارس العلمية العتيقة بسوس هي التي ألهمت المدارس العلمية العتيقة السباعية بحوز مراكش وعبدة ودكالة، وكذلك الطرق الصوفية لجزولة انطلاقا من تامـﮕروت بدرعة إلى تمـﮕدشت بسوس، ثم البعاريرية بهوارة. هذا فضلا عن داعي الجهاد الذي بدأ مع قيام الدعوة السعدية لطرد غزاة البرتغال الذين داهموا الشواطئ المغربية بل وصلت قواتهم حتى أبواب مراكش